انقسمت آراء العلماء حول وقوع المعرب في القرآن الكريم إلى ثلاثة أقسام أبسُطـُهـا فيما يلي:

الرأي الأول: رأي المانعين من وقوع المعرب في القرآن الكريم:

وهو رأي أهل اللغة، وعلى رأسهم أبوعبيدة معمر بن المثنى الذي يقول:
"من زعم أن في القرآن لساناً سوى العربية فقد أعظم على الله القول".
ويقول أبو بكر الأنباري:
"وقال بعض المفسرين: (صِـرْهـُنّ) معناه: قطع أجنحتهن، وأصله بالنبطية: (صِـرْية)، ويحكى هذا عن مقاتل بن سليمان، فإن كان أثر هذا عن أحد الأئمة، فإنه مما اتفقت فيه لغة العرب ولغة النبط؛ لأن الله عز وجل لا يخاطب العرب بلغة العجم؛ إذ بين ذلك في قوله جل وعلا: إنا جعلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون".

وينقل لنا السيوطي في الإتقان أصحاب هذا الرأي وأدلتهم فيقول:
" فالأكثرون ومنهم الإمام الشافعي وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس على عدم وقوعه فيه لقوله تعالى: قرآنا عربياً وقوله تعالى: ولو جعلناه قرآنا أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي
وقد شدد الشافعي النكير على القائلين بذلك.
وقال أبو عبيدة: إنما أنزل القرآن بلسان عربي متين. فنم زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول.
وقال ابن أوس: لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها.
وقال ابن جرير: ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن إنها بالفارسية والحبشية والنبطية أو نحو ذلك إنما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.
وقال غيره: بل كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتهم بعد مخالطة لسائر الألسن في أسفارهم فعلقت من لغاتهم ألفاظاً غيرت بعضها بالنقص من حروفها واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الفصيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن.
وقال آخرون: كل هذه الألفاظ عربية صرفة ولكن لغة العرب متسعة جداً ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الجلة. وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح. قال الشافعي في الرسالة: لا يحيط باللغة إلا نبي.
وقال أبو المعالي: عزيزي بن عبدالملك: إنما وجدت هذه الألفاظ في لغة العرب لأنها أوسع اللغات وأكثرها ألفاظاً. ويجوز أن يكونوا سبقوا إلى هذه الألفاظ".
الرأي الثاني: رأي المجيزين لوقوع المعرب في القرآن الكريم:

وهو رأي الفقهاء ويأتي على رأسهم ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد وعكرمة وغيرهم، قال الجواليقي في المعرب:
" قال أبو عبيد: ورُوي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم، في أحرف كثيرة: أنه من غير لسان العرب، مثل (سجِّيل) و(المشكاة) و(اليم) و(والطور) و(أباريق) و(إستبرق) وغير ذلك".
وزاد السيد محمد صديق القِـنـَّوْجي في كتابه البلغة في أصول اللغة أن هذا الرأي روي عن ابن جبير وعطاء بالإضافة إلى من سبق.

وقد لخص لنا السيوطي في الإتقان أقوال وحجج العلماء القائلين بهذا الرأي ومنهم أبو ميسرة التابعي الجليل، وسعيد بن جبير، ووهب بن منبه، وابن النقيب، والجويني، فقال:
" وذهب آخرون إلى وقوعه فيه. وأجابوا عن قوله تعالى: قرآنا عربياً بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربياً, والقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظه فيها عربية. وعن قوله تعالى: أأعجمي وعربي بأن المعنى من السياق أكلام أعجمي ومخاطب عربي, واستدلوا باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو إبراهيم للعلمية والعجمية ورُدَّ هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف فالكلام في غيرها موجه بأنه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس وأقوى ما رأيته للوقوع وهو اختياري ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل قال: في القرآن من كل لسان وروي مثله عن سعيد بن جبير ووهب ابن منبه، فهذه إشارة إلى أن حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالاً للعرب ثم رأيت ابن النقيب صرح بذلك فقال: من خصائص القرآن على سائر كتب الله تعالى المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم لم ينزل فيها شيء بلغة غيرهم والقرآن احتوى على جميع لغات العرب وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير انتهى. وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة وقد قال تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم وإن كان أصله بلغة قومه هو. وقد رأيت الجويني ذكر لوقوع المعرب في القرآن فائدة أخرى فقال: إن قيل إن إستبرق ليس بعربي وغير العربي من الألفاظ دون العربي في الفصاحة والبلاغة فنقول لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك".
الرأي الثالث: رأي المعتدلين أو الذين جمعوا بين القولين السابقين:

وصاحب هذا الرأي هو أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي حيث يقول بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع عن أهل العربية:
" والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعاً وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب. فمن قال إنها عربية فهو صادق, ومن قال أعجمية فصادق.
ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون".

وبعد هذا العرض المفصل لآراء العلماء حول وقوع المعرب في القرآن الكريم أوجز تلك الآراء فيما يلي:
1- رأي منع من وقوع المعرب في القرآن الكريم, ويمكن أن نسميه رأي أهل اللغة.
2- رأي أجاز وقوع المعرب في القرآن الكريم , ويمكن أن نسميه رأي الفقهاء.
3- رأي جمع بين الرأيين السابقين بأن أجاز قول الوقوع باعتبار الأصول, وأجاز قول المنع باعتبار ما آلت إليه الألفاظ من التعريب.

وبهذا نكون قد أوجزنا بعد بسطٍ الآراء في وقوع المعرب في القرآن الكريم وخلصنا إلى نقطة مهمة وهي أن تلك الألفاظ الأعجمية بعد تعريبها أصبحت عربية خالصة فدخلت ضمن لغة العرب وجاز مجيئها في القرآن الكريم على أنها عربية الاستعمال لا الأصل.
منقول من المقهى .كوم

المصدر: YIAL FORUMS


المعرب في القرآن في