Welcome to the YIAL FORUMS.
Results 1 to 2 of 2

Thread: اليمن .. قلب الطبيعة أم ذاكرة التأريخ

  1. #1
    Administrator
    Join Date
    Aug 2009
    Posts
    13

    Default اليمن .. قلب الطبيعة أم ذاكرة التأريخ

    ؟اليمن .. قلب الطبيعة أم ذاكرة التأريخ
    بقلم : مبخوت العزي الوصابي

    هنا ، حيث استيقظ التأريخ مبكراً ، وألقت الحضارة عصا السفر ، لتخلد إلى راحة أبدية ؛ متوسدةً تلك القممَ ، ومفترشةً تلك القيعانَ والسهولَ والبراريَ ، غامسةً قدميها في مياهِ البحرِ .. ولا أظنها اليومَ إلا في غفوةٍ قصيرةٍ ، لتصحوَ ثانيةً كعادتها ، وسبحان الذي لا يسهو ولا ينام ..!
    إنه اليمن قلب الطبيعة النابض بالجمال ، جمال لا تملك اللغة إلى أن تقف صامتة في محرابه إجلالا ودهشة . ليس لها القدرة وإن افردت جناحيها للخيال أن تقول ما يجب أن يقال ، عن قمم تعانق السحاب ، وأخرى تحتزم بها ، وعن سفوح فتحت ذراعيها لبركة السماء ، وكشفت صدرها لريشة الإنسان ؛ لينقش منمنماته تلك ، في جداريات هي من أبدع ما قدمه الإنسان في معرض الطبيعة المفتوح .. تلك القلائد البديعة التي تفنن الإنسان اليمني منذ آلاف السنين في تصميمها ، لا يمكن ان تكون مدرجات زراعية فحسب ، بل لك أن تراها نسخة منقحة من معلقات الشعراء .. فإن كان امرؤ القيس قد علقت قصيدته ، لروعتها وجودة سبكها على جدار الكعبة ، فاجداده اليمانيون قد سبقوه في معلقاتهم الخالدة على صدور هذه الجبال .. جبال العربية السعيدة .
    جبال اليمن ، كتاب حب وحضارة وفن ؛ تحتضن صفحاته المعنى الأول للسحر ، والأقدم للحضارة ، والأقرب إلى قلوب الشعراء والأدباء .. لكل قمة حكاية ، ولكل سفح حديث .. وهل سمي كوكبان إلا لأنه جار الكواكب ، ولا شمسان إلا لأن الشمس تتكئ عليه وهي تطل على مدينة عدن .. ولا غيمان إلا لأنه شماعة تترك الغيم معطفها عليه ، حين تأوي إلى فراشها ، لتنام بعد رحلة طويلة من أعماق البحار والمحيطات ..
    وكيف أنسى حراز ؟!
    لا ... !
    إن صمتي عن حراز ووصفها
    ليس سهوا ؛
    إنما للجمال حد ، ولكن
    حين يجتاز حده ليس يُروى ..
    ما أجمل أن تصعد تلك الروابي ، وقد افاضت عليها السماء بسخاء ؛ لتجد نفسك أمام لوحة أبدعتها ريشة السماء .. من لمساتها المدهشة أن ترى ذلك الطوق الجبلي ، والماء يتدفق من قممه عازفا على أوتار المنحدرات أحلى سمفونية ، كأن الفضاء من حولك أوبرا على الهواء الطلق تتقاطع في فضاءاته ألحان السماء بإيقاعات الأرض في لحظة من الدهشة .كأن للمطر أنامل تعزف ألحانها على أوراق الشجر .. كل العالم يعرف المطر ، لكن لا يعرف نكهته هذه الخاصة ، نكهة البن اليمني حين تنبعث من دلة لعجوز ، عكفت سبعين عاما تعتق خبرتها وتجودها في إعداد فنجان البن ، في ساعات الصباح الباكر ، قبل أن تسابق العصافير إلى مزرعتها ، حاملة منجل الأمل ، وحبل التوكل على ربها ، الذي أودع رزقها في بكورها .
    والمدهش أن كل هذا وما هو أكثر منه ليس حصريا على المرتفعات ، بل تشاطرها السحر ذاته تلك البسط الممتدة من تحت أقدام الجبال حتى أحضان البحر غربا وجنوبا ، إنها البراري والقفار والسهول والقيعان . وللبراري حكايتها حيث تعقد الرياح ألويتها ، لتخوض مع الرمال صراعا أبديا ؛ فتنمو على إثره تلالا وكثبان ، وتتلاشى أخرى وكأنما صدورها بين ليلة وضحاها تبلغ ذروة شبابها .. يا الله ! حتى الصحراء التي كانت عنوان الهلاك ، أضحت واحدة من مصادر الحياة ، ونبعاً من ينابيع الرخاء بكنوزها وثرواتها لكأنَّ الانبساط والامتداد ـ كأهم صفاتها ـ إيحاء بما هي حبلى به من أسباب البقاء ..
    ليس هناك ما هو أجمل من رؤية الطبيعة تلب كل حين إزاراً ، وبتنوع لا يعني إلا الندرة والتباهي والتأنق والانسجام .. وهو الأمر الذي لا يفطن له ـ والقليل منه فقط ـ إلا أرباب الفن وعشاقه ومحترفوه ..
    وهناك .. هناك بعيداً في أحضان البحر فلذات من كبد الأم قطع من قلبها ، قدَّرَ اللهُ أن تنفصل عنه ؛ لتعيش معه قصة شوقٍ ولهفةٍ وحنانٍ ، لا يباري تدفقه إلا تلك الأمواج التي تضرب شواطئ سقطرى صيفاً .. إنه حنين الجزء إلى الكل ، حنين الطفل الصغير إلى أحضان الأم .. لا استطيع ان أسمي تلك الجزر المتناثرة كالأقمار حول الكوكب أو قل كالأشبال حول عرين أمهم ، لا أستطيع أن اسميها إلا صغار أمٍ ابتعدت عن حضنها ، لتلهو قليلا مع الأمواج ، لكأني ألمح الشوق خيوطا كخيوط أشعة الشمس تمتد بين الجزء والكل ، بين الطفل والأمم .. لكأن الأم تخشى على الطفل من الفراق ، فشدته إليها بحبل حنانها وإشفاقها، خشية أن ينجرف مع التيار ، أو تمتد إليه يد لصٍ ، فتخفضه على حين غفلة .. لكأني ألمح مظاهر البراءة ـ كإحدى معاني الطفولة ـ جليةً في بيئة سقطرى ، التي تقف أمامها العين شاخصة ، والقلب خافقا ، والروح محلقة ، كالفراش المتراقص على أشعة الشمس عند شروقها أو غروبها . نعم ، تحلق في تفاصيل الحياة الغيرة البسيطة النادرة الباقية على حالتها الأولى ، تلك الحالة التي تدعو الله وندعوه معها ليل نهار أن يحميها من سطوة الإسمنت وقسوة المَدَنِيَّة ووحشتها ، بل ووحشيتها .
    وعلى ذكر المَدَنِيَّة ، ما زلت اشتم عبق القرية يفوح من أرجاء المدينة اليمنية ؛ بساطة الإنسان اليمني ، روحه الاجتماعية المرحة ، عاداته وتقاليده ، كرمه ، تعاونه ونجدته ، غيرته ونخوته ، تعامله مع الآخرين ، حبه لتراثه وحرصه على التمسك به . وما تقارب البيوت من بعضها حتى التوحد إلا صورة تجسد ذلك التقارب الروحي بين الأخ وأخيه والجار وجاره ، بين الإنسان والإنسان .. إنها الوحدة العضوية ؛ تلك الصفة التي قد يفتقر إليها نص شعري ، لكن المدينة اليمنية لا تفتقر إليها . وتاريخياً لا غرابة إذا تجوَّل المرء في أزقة صنعاء القديمة وأسواقها ، وهو شاخص البصر ، تسبقه روحه إلى التحليق بين عبق التوابل و البن اليمني ، وحول شرفات المنازل ومآذن المساجد السامقة ، لكأنه يقشر الزمن لحظة فلحظة حتى بداياته الأولى ، وكأن التأريخ فلم وثائقي ، يتم عرضه على شاشة لا تنطفئ لانقطاع التيار الكهربائي ، أو لضعف التردد وفقدان الإشارة ، نظراً لأي تشويش متعمد .

    المصدر: YIAL FORUMS


    hgdlk >> rgf hg'fdum Hl `h;vm hgjHvdo hgjHvdo hgdlk hg'fdum `h;vm


  2. #2

 

 

Thread Information

Users Browsing this Thread

There are currently 1 users browsing this thread. (0 members and 1 guests)

Tags for this Thread

Posting Permissions

  • You may not post new threads
  • You may not post replies
  • You may not post attachments
  • You may not edit your posts
  •  
توسيع/تقليص
[click to hide]

Content goes here.